مخاطر التفكك وفرص البقاء……. إرتريا في عيد ميلادها الــــــــــــــــــــــــــــــــ27ـ بقلم أ.حامد سلمان
أن تدفع ثمنا باهظا لا يعني أن تحصل على المقابل المجزي بشكل آلي، فالمزارع الذي يكِدُّ طوال الموسم الزراعي، مثلا، يمكن أن يخرج نهاية الموسم وهو يقلب كفيه حسرة على ما بذل من جهد وعرق ومال إن هو تغافل أو تكاسل في لحظة الحصاد الحاسمة، فالتضحية وحدها لا تكفي للحصول على القطاف، إنما تستلزم اليقظة الدائمة والمثابرة الواعية حتى نهاية الموسم وضمان الحصول على المبتغى وتحقيق الهدف.
فكم من شعوب ضحت بقدر هائل من مواردها البشرية والمادية لقاء الحصول على حريتها، غير أنها لم تحصل بالمقابل، إلا على قيود أشد قسوة من تلك التي ناضلت للفكاك منها، ودونكم الشعب الكوري الشمالي الذي أعطى ولم يبخل وبذل ولم يدخر،حيث قدم ما يربو على (406.000 عسكري و 600.000 مدني) في حرب واحدة 1950-1953م ، أكثر من مليون نفس بشرية بالإجمال، وما زال الشعب الكوري الشمالي يقدم القرابين دون أن يجد فرصة للوقوف على قدميه والالتفات إلى الوراء، حيث يرقد “الشهداء” ليتساءل، لماذا كل هذا؟ إلى يومنا هذا وربما حتى إشعار آخر، حيث لا ضمانات للحريات والحقوق والتنمية الاقتصادية مهما كانت التضحيات المبذولة.
يكفي أن نلقي نظرة ثاقبة على واقع الكيان الوطني الإرتري منذ إعلان الاستقلال، لندرك بأن الدولة الإرترية تسير بخطوات مرتجفة على سيرك رفيع يكاد يزلقها ليقذف بها إلى الهاوية في أية لحظة، وإن نجت من براثن هذا السيرك الزّلِق، فإنها ستنجح في إعادة إنتاج تجربة كوريا الشمالية، حكم وراثي، وقمع سياسي راسخ، وفقر مقيم يحصد الأجيال تلو الأجيال، ومستقبل تحيطه المخاطر من كل الاتجاهات، حيث يمكننا مشاهدة أسوء كوابيس الشعب الإرتري وهي تتحقق بوتيرة ثابتة منذ لحظة الميلاد، في ظل غياب تام لأي جهد أو مبادرة ملموسة لإعادة القاطرة الوطنية إلى مسارها الصحيح، لقد خاض الشعب الإرتري حرباً ضروسة بكل ما للكلمة من معنى، استمرت ثلاثين عاما (1961-1991م) بهدف اقتلاع جيش الاحتلال الإثيوبي من أرضه، وعندما تحقق له هدف الاستقلال بجدارة نادرة، لم يلبث أن انغمس في حروب عبثية مع كافة الدول المجاورة خسر فيها الكثير من الأرواح والكثير من الموارد تفوق ما خسره في حرب التحرير، والنتيجة المحزنة بعد كل هذه التضحيات الهائلة، أن يجد الشعب الإرتري نفسه محاطاً بجحيم لا يعرف كيف أتى، ولا متى ينتهي، فكم هو مؤلم أن تتحول شعلة النضال من أجل الحرية والكرامة إلى سعير يمد ألسنة اللهب في كل الاتجاهات ليطلب المزيد من الأرواح والموارد دون أن يَعِد بأي مقابل، أن يعبث التأريخ بأقدار الشعوب الغافلة، أن يدوسها تحت عجلاته ويدور بها دون رحمة أو شفقة، لتفتح عينيها على حقيقة شديدة المرارة، هي، أن كثرة الضحايا لا تمثل شفاعة تلقائية تفتح أبواب الفردوس، لاسيما حين تتحول الشعوب إلى مجرد أدوات تنتظر إشارة الانطلاق من سيدها دون أن تفكر في المقابل ولا في المآلات، كل هذا لا ينفي أن يكون النضال والتضحية سبباً مباشراً في نيل الحرية وضمان الأمن والاستقرار والنمو، وبالمقابل، يمكن أن تشكل الهزيمة العسكرية لحظة فاصلة وخيط أمل تتخلق في ثناياه مسارات جديدة تنعطف بمصائر الشعوب نحو مسلك مختلف، فإما أن تغوص في ظلمات اليأس والفقر والتخلف أو أن تنهض من كبوتها وتتجاسر على جراحها وتخط لنفسها مسارا تاريخياً بعيداً عن مرارات الحرب يرتقي بها نحو المعالي، ومن ثم، تحقيق الأمن والاستقرار والرخاء الاقتصادي كما هو الحال بالنسبة لدول المحور الثلاث التي منيت بهزيمة عسكرية متكاملة الأركان في الحرب العالمية الثانية ألمانيا واليابان وإلى حد ما إيطاليا.
ظل الشعب الإرتري يَمُطًّ بصره إلى الأفق مع انبلاج كل فجر جديد منذ انطلاق ثورته التحررية في 1 سبتمبر عام 1961م، والتي قادها المحارب المتمرس حامد إدريس عواتي، استشهد حامد عواتي بعد أن أرسى دعائم الثورة على ركائز صلبة، واصلت الثورة مسيرتها الشاقة والطويلة حتى تحقق الفجر الموعود، فجر الاستقلال فانضمت إرتريا إلى قائمة الدول المستقلة.
لم تشهد الدولة الإرترية على مدى عمرها، القصير نسبياً، تهديدات وجودية ومخاطر حقيقية تتعلق بمدى قدرتها على الصمود كدولة مستقلة ذات سيادة وتحافظ على سلامة ووحدة ترابها كما تشهده اليوم وهي تحتفل بعيد ميلادها السابع والعشرين، ويمكن إجمال المخاطر التي تحدق بالكيان الوطني الإرتري في النقاط التسع التالية:
مخاطر التفكك:
1 – ضمور الروح الوطنية الإرترية بشكل عام، وبروز تيارات سياسية تدعو بشكل علني إلى إعادة النظر في فكرة الاستقلال الوطني، مسنودة بدعوات مشبوهة لإعادة ضمها إلى إثيوبيا وهو الدور الذي تقوم به مجموعة الدكتور برخت هبتي سلاسي.
2 – بروز مجموعات قومية دينية تنتهج الحشد على أساس القومية الضيقة وتجاهر ببرنامج سياسي يرتكز على فكرة خلق وطن قومي لإثنية التجرينيا على أنقاض الدولة الإرترية وما يقتضيه تحقيق ذلك من تهجير أو إبادة المكونات الاجتماعية الإرترية الأخرى لإخلاء الجغرافيا الإرترية لجعلها ملكاً حصرياً لمجموعة إثنية واحدة، وهو ما تدعو إليه مجموعة الأجاعز بخطاب راديكالي استئصالي لا يقبل أي تأويل آخر، فهي تعبر عن مزيج من العنصرية القومية المدفوعة بروح الهيمنة والتملك على حساب المجتمعات المجاورة، والتطرف الديني المذهبي الذي يعتاش على شيطنة أصحاب المعتقدات الدينية الأخرى واختلاق روايات تاريخية لا حظ لها من الصحة.
3 – سقوط هيبة الدولة الإرترية واعتلال نظامها السياسي وتحوله إلى لعبة رخيصة بيد عصابة من اللصوص والمتسولين الذين لا يترددون في بيع وتأجير ورهن السيادة الوطنية الإرترية بالجملة والمفرق لمن يدفع أكثر، وتحويل سواحل البلاد إلى كنتونات عسكرية للإيجار، دون النظر إلى ما يترتب على هذا السلوك السياسي المتهافت من تقييد ورهن السيادة الوطنية لقوى إقليمية مراهقة مسكونة بهواجس التوسع والهيمنة على حساب أمن ومستقبل الشعوب الأصلية.
4 – تعمق الانشطار الوطني وتجذر حالة الخوف وعدم اليقين حيال ما يحمله المستقبل من مخاطر وجودية كبرى على المكونات الاجتماعية الإرترية في ظل التهديدات الصارخة بالقتل والإبادة والتهجير، وهو ما أدى بدوره إلى إجبار المجموعات الاجتماعية إلى الالتفاف حول هويتها البدائية وربط موقفها من المسألة الوطنية بتحقق ذاتها الصغرى ولجوءها إلى استخدام وسائل الدفاع البدائية التي كانت سائدة في عصر ما قبل الدولة الوطنية، وهو ما سيؤدي إلى استسهال التخلي عن الوطن الإرتري في سبيل الحفاظ على الذات القومية والإثنية الضيقة.
5 – فقدان الثقة واليأس الكامل عن الحصول على الحقوق من خلال اللجوء إلى مؤسسات وأجهزة الدولة الإرترية، حيث تخلت الدولة عن دورها في تحقيق العدالة وضمان أمن وسلامة المواطنين وتحولت أجهزتها إلى أدوات لتحقيق النزوات الشخصية لحفنة من المجرمين القتلة، وهو ما سيؤدي حتما إلى الكفر بآليات الحكم والقانون والتقاضي وبالتالي اللجوء إلى وسائل الدفاع عن النفس بعيدًا عن أجهزة الدولة، أو في مواجهة الدولة، ومن ثم التمرد على فكرة الدولة من أساسها والانزلاق إلى قانون الفوضى العارمة حيث يعيش القوي الذي يملك السلاح وينقرض الأعزل الضعيف وتموت فكرة الدولة في قلوب الناس كما حدث في الصومال عند انهيار نظام سياد بري عام 1991م.
6 – الإشارات والتلميحات غير المسئولة التي درج النظام الإرتري على إرسالها عبر وسائل إعلامه بوجود مجموعات إسلامية متطرفة تعمل على قلب نظامه بالتعاون والتنسيق مع دول أجنبية، بالرغم من انعدام أي مؤشرات على وجود مثل هذه المجموعات، وهو ما سيؤدي إلى تأجيج حالة الاستقطاب الديني وربما يجر البلاد إلى أتون حرب أهلية يكون الخاسر الأكبر فيها هو الشعب الإرتري بمختلف شرائحه وطوائفه الدينية ويمكن أن يؤدي بشكل تراكمي إلى تفكك الدولة الإرترية وتلاشيها من الوجود. علما بأن ديكتاتور إرتريا أسياس أفورقي لن يتورع عن استخدام الوسائل اللا أخلاقية من أجل الحفاظ على بقائه في سدة الحكم ولو على جماجم الأبرياء من أبناء الشعب الإرتري، فقد فعلها في بدايات التسعينات وكررها في مواجهة محاولة الانقلاب العسكري التي تعرض لها نظامه في يناير 2013م حيث اتهم العقيد سعيد علي حجاي ورفاقه بأنهم إسلاميون متطرفون على الرغم من أنهم لم يكونوا كذلك على الإطلاق.
7 – انعدام أي مؤشرات على احتمال وجود القدرة والإرادة لدى القوى السياسية الإرترية، أيا كانت هذه القوى، على خلق مشروع وطني إرتري يتسم بسعة الأفق وعمق الرؤية تنجذب نحوه قلوب الإرتريين جميعا ليلتفوا حوله ويعملوا من خلاله على استعادة الروح الوطنية الإرترية على أساس الحقوق والواجبات المتساوية، ومن ثم يشرعون في مسيرة تحقيق الحلم الإرتري الذي يتسع لكل ألوان الطيف الاجتماعي الإرتري ويضمن بقاء واستمرار الدولة الإرترية لتؤدي دورها في خدمة ورفاهية و حماية الإنسان الإرتري باعتباره إنساناً إرترياً فقط وليس لأي اعتبارات أخرى، فالشارع الإرتري يعيش حالة انشطارات أفقية وعمودية نتجت عن فقدان الثقة بين المكونات السياسية والاجتماعية الإرترية والتي تعتبر بدورها نتاجاً طبيعياً للسياسات التدميرية التي انتهجها نظام إسياس أفورقي منذ توليه حكم البلاد.
8 – غياب مؤسسات الدولة التي يمكن أن تتلقف نظام الحكم بشكل مؤقت وتمنع انزلاق البلاد إلى هاوية الفراغ السياسي والفوضى، وتحافظ على بقاء الدولة واستمرارها عند انهيار النظام الحالي، حيث تلاشت مؤسسات الدولة وتعرضت للتدمير الممنهج من قبل العصابة التي حكمت البلاد منذ الاستقلال، وهو أكبر ضرر يمكن أن تلحقه أي عصابة بأي دولة في العالم، فلا وجود، على سبيل المثال، لمؤسسة يمكن أن تقوم بمهمة الحفاظ على النظام العام وضبط سلوك الأفراد في الحالات الاستثنائية الطارئة ولا وجود لأي مؤسسة تشريعية برلمانية ولا وجود لقانون ولا دستور يحتكم إليه الناس وحتى المؤسسة العسكرية لا يمكن أن تصمد ليوم واحد أمام حالة الفوضى والانفلات لأنها مبنية أساساً على القهر والإكراه والاستعباد، فأفراد الجيش الإرتري ليسوا متطوعين ولا متعاقدين مع الدولة وفقا لتعاقد مكتوب وبأجر ومدة معروفة كما هو الحال في كل المؤسسات العسكرية للدول المستقلة التي تحترم كينونتها كدولة، الجنود في جيش إرتريا يعملون بالإكراه، وبالتالي فمن البديهي أن يكونوا مستعدين دائما للتخلص من الزي العسكري وإلقاء السلاح في أول سانحة يمكن أن تتاح لهم، وهو ما نشاهده يتجسد بشكل شبه يومي في النزيف المستمر والهروب الفردي والجماعي من قبل منسوبي جيش النظام الإرتري الذين امتلأت بهم معسكرات اللجوء في الدول المجاورة، وإجمالاً يمكن القول، إننا بصدد غياب تام لمؤسسات الدولة في إرتريا والتي يمكن التعويل عليها في الإمساك بيد الشعب الإرتري والعبور به إلى بر الأمان وإنقاذه من مخاطر المنعطف الحرج الذي سيحدث حتما مع انهيار نظام إسياس أفورقي الحتمي هو الآخر. فإرتريا اليوم تحكمها أجهزة قمعية تجسسية لا مؤسسات محترمة وهذه الأجهزة عرضة للانفراط كحبات السِّبحة في اللحظة التي تُغَلُّ فيها يد الدكتاتور الممسك بحبل وجودها السري
9 – ومن المخاطر التي تحيط بالدولة الإرترية في الوقت الراهن، عدم وجود قوة سياسية وعسكرية منظمة بديلة للنظام ، في ظل عجز القوى السياسية المعارضة للنظام الإرتري عن بناء قوة سياسية وعسكرية متماسكة ومنضبطة تعمل على مواجهة واقتلاع النظام الإرتري،الآيل للسقوط، أو على أسوء الفروض تكون جاهزة وتملك قدرا معقولا من الجاهزية اللوجستية والإدارية والموارد البشرية اللازمة للحلول مكان النظام لتجنب مخاطر الشغور السياسي ولعب الدور المحوري الذي تمليه ضرورات الوضع الانتقالي في لحظة انهيار النظام نتيجة لعوامل الضعف والتآكل الذاتي التي تقترب بوتيرة أسرع من كل التوقعات.
فرص بقاء الدولة الإرترية المستقلة:
1 – من يعرف روح التحدي والعناد والمثابرة الكامنة في الشعب الإرتري، لا يمكن أن يسلم بإمكانية تخلي هذا الشعب عن كيانه الوطني وعن سيادة دولته المستقلة ولا حتى عن شبر من ترابه الوطني، ويمكن الجزم بأنه من سابع المستحيلات أن يستسلم الشعب الإرتري لعدو خارجي مهما كانت إمكانياته العسكرية وموارده الإقتصادية، فالحرب التحررية التي خاضها الشعب الإرتري لطرد جيش الاحتلال الإثيوبي من الأرض الإرترية كانت معادلة القوة فيها 1 مقابل 15 على أقل تقدير، وقد حسمها الشعب الإرتري لصالحه بكل جدارة واقتدار، وإن صفحات التأريخ ووقائع حرب التحرير مثقلة بما يشهد على ذلك.
فلا خوف أبدًا على استقلال إرتريا من تغول قوى خارجية، فمثلا، إثيوبيا التي يتوسل إليها الدكتور هبتي سلاسي لتضمه إلى حضنها تعرف قبل غيرها أن الإقدام على أي خطوة باتجاه التغول على سيادة واستقلال إرتريا ستكون عواقبها وخيمة وآثارها كارثية على إثيوبيا قبل غيرها، إضافة إلى أن إثيوبيا في الوقت الراهن محكومة بنظام ديمقراطي لامركزي (فدرالي) ولا يمكن أن تُقدم على أي خطوة من هذا النوع إلا بموافقة البرلمان، كما لا يمكن للبرلمان الإثيوبي الموافقة على هكذا مغامرة جنونية تتحدى القانون الدولي وتدخل في مواجهة مفتوحة مع المجتمع الدولي، فإثيوبيا اليوم ليست إثيوبيا الأمس التي كانت تحكمها النزوات الشخصية لهيلي سلاسي ومنجستو.
وانطلاقا من هذه الحقائق فإن النصيحة التي يمكننا تقديمها للدكتور هبتي سلاسي وحفنة الرجال والنساء من القوميين المتطرفين من حوله هي أن أحلامهم بالارتماء في حضن إثيوبيا الدافئ هي أحلام ممكنة وقابلة للتحقق، فليس على الدكتور المحترم ومن معه إلا أن يحزموا أمتعتهم ويمكنهم أيضا وضع قطعة الأرض المملوكة لهم في إرتريا على ظهورهم والتوجه بها إلى حيث الحضن الموعود وسنكون سعداء للوقوف بجانب الحدود للتلويح لهم بتحية الوداع بكل حماس وسرور، أما غير ذلك فهو عبث وضياع للوقت والموارد في قضية خاسرة حسمها أصحاب الحق دون إذن أو استشارة من أحد.
إن الخوف على استقلال إرتريا وسيادتها يكمن في احتمالية انزلاقها إلى أتون حرب أهلية أو فوضى سياسية واجتماعية تؤدي إلى تقويض أركان الدولة الإرترية وتفتح الباب على مصراعيه لتدخل القوى الإقليمية والعالمية الطامعة، سعياً وراء تقاسم تركة الدولة الإرترية، فكل التصرفات الظاهرة والمستترة لنظام أسياس أفورقي تعتبر معادية لوجود دولة إرترية مستقلة، متصالحة مع نفسها ومع الدول والشعوب المحيطة بها، فلو نظرنا إلى السلوك السياسي للنظام الإرتري نجد أنه عمل كل ما في وسعه لجلب العداء إلى فكرة الدولة الإرترية المستقلة لدى الشعوب المجاورة، فبدأ بالحرب مع اليمن حول أرخبيل حنيش ثم انغمس في حرب ضد نظام عمر البشير في السودان، ثم قفز على إثيوبيا لإنقاذ وتحرير بادمي من براثن الوجود الإثيوبي فأهدر الكثير من الأرواح والممتلكات ولم ينقذ بادمي ثم دخل في خصومات ومناوشات مستمرة مع جيبوتي، وبهذا استحقت إرتريا لقب الدولة الشريرة المشاكسة، وتركت سياسات نظام أسياس أفورقي انطباعًا سلبياً عاماً وصورة ذهنية غير ودية عن الدولة الإرترية لدى شعوب المنطقة.
وعلى المستوى الداخلي لم تخط حكومة إسياس أفورقي أي خطوة لبناء أمة إرترية موحدة تعتز وتفتخر بتنوعها وثرائها الإثني والثقافي والديني منذ بداية وجودها، حيث ربط أسياس أفورقي الأهلية للحصول على أي وظيفة حكومية بالانسلاخ، أو قابلية الانسلاخ، عن الهوية الذاتية والذوبان في الهوية التي أراد لها أن تكون مهيمنة ومسيطرة على كل مفاصل الدولة، وحتى الانسلاخ عن الهوية الذاتية والذوبان في هوية القومية المتنفذة لم يكن كافياً للترقي الوظيفي العادل لأن الخلفية الاجتماعية تظل عائقاً كبيرًا لا يمكن الإلتفاف عليه في ظل سياسة الهيمنة القومية والتمييز الواضح في التوظيف والتأهيل والتعليم وكل ضروب الحياة السياسية والاقتصادية، ومهما فكر أحدنا فإنه لا يمكن أن يخلص إلى تفسير آخر لهذا الجنون الذي ظلت تمارسه حكومة أفورقي منذ اليوم الأول لاستقلال إرتريا إلا كونه ينطلق من توجه معاد يهدف إلى تخريب فكرة الدولة الإرترية المستقلة وتدميرها في نفوس أبناء الشعب الإرتري وفي نفوس شعوب الدول المجاورة.
وعلى الرغم من المخاطر الماثلة، فإن فرص بقاء الكيان الوطني الإرتري المستقل، كبيرة وراسخة تسندها حقائق التأريخ وتعززها المواقف المشرفة للشعب الإرتري والأعراف والقوانين الدولية، وهي إضافة إلى ذلك واجب وطني تقع مسؤوليته على عاتق جميع أبناء الشعب الإرتري في الداخل والخارج، فالمخاطر الكبيرة التي تلوح في الأفق بينما نحتفل بالعيد السابع والعشرين للاستقلال الوطني تحتم على الإرتريين جميعاً التفكير في مستقبل أجيالهم إذا انزلقت البلاد “لا سمح الله” إلى ما لا تحمد عقباه، ومن هنا فإن على القوى السياسية الإرترية المعارضة للنظام في الداخل والخارج التحرك الجاد والحازم لتجاوز كل المعيقات الذاتية والموضوعية والتباحث حول صيغة عمل سياسي ودبلوماسي وعسكري يوحد الجهود ويضمن وجود قوة وطنية موحدة ومتماسكة تضمن بقاء الدولة الإرترية وحماية شعبها من مخاطر الفوضى والاضطرابات، وترنوا الأفئدة والأبصار نحو أبناء الشعب الإرتري من الوطنيين المخلصين في جيش الدفاع الإرتري للتحرك والعمل بالتنسيق مع قوى المعارضة الوطنية الإرترية لوضع حدٍ لسيطرة عصابة أسياس أفورقي المجرمة التي دمرت مقدرات البلاد وفرضت الذل والهوان واللجوء والتشرد على شعب إرتريا بدلاً عن القيام بواجبها بالعمل على تمتين وحدة البلاد وصيانة مصالحها الأمنية والاقتصادية وحماية حقوق مواطنيها، فليس هناك وقت للتحرك لإنقاذ البلاد من مخالب عصابة أفورقي أفضل من وقتنا الحالي لأن عوامل سقوط وانهيار نظام أفورقي تراكمت عبر السنين وأن النظام أضعف من أن يصمد أمام أي تحرك منظم وجاد لإقتلاعه من جذوره لاستبدال نظام ديمقراطي تعددي به يرسي دعائم الدولة الإرترية على ركائز احترام الحقوق وسيادة حكم القانون لينعم الإنسان الإرتري بالعيش فوق تراب أرضه وينسى مرارات اللجوء والقهر والحرمان
المرجع: http://federalia.org/
: hamid.salman@outlook.com
كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات ، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم