مقالات وآراء

أ. عثمان دنكلاي: طموحات إثيوبيا نحو منفذٍ بحري

تصريحات آبي أحمد تُقلق الجيران وتدفع أسمرة إلى تحرّكاتٍ مضادّة

أشعلت سلسلة من التصريحات المتكرّرة لرئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، جدلاً إقليميًّا واسعًا بعدما أكّد أمام البرلمان في 16 أكتوبر 2023 أن «الحصول على منفذ بحري مسألة وجودية لإثيوبيا الكبرى»، ملوّحًا بإمكانية اللجوء إلى القوة «إذا تعذّر الحوار». وقد أثارت هذه التصريحات استياءً في كلٍّ من جيبوتي والصومال وإرتريا، الدول المطلة على البحر الأحمر.

تحرّك إرتري واستقطاب تغراوي

سارع النظام الإرتري إلى فتح قنوات تواصل مباشرة مع جبهة تحرير تغراي بزعامة دبرصيون قبرمِكائيل، في محاولةٍ للضغط على أديس أبابا. ويرى مراقبون أن أسمرة وظّفت العداء التاريخي بين تغراي وآبي أحمد لــ«ليّ ذراعه» في ملف الموانئ.

ورشة حكومية توصي بالدبلوماسية

وفي 24 سبتمبر 2024 نظّم «معهد وزارة الخارجية الإثيوبية» بالتعاون مع وزارة الدفاع ورشة عمل بعنوان «القضايا والتهديدات الأمنية للدولة الإثيوبية». أوصت الورشة الحكومة بإثارة ملف المنفذ البحري عبر القنوات الدبلوماسية والمحافل الدولية لكسب تأييد الرأي العام، بدلاً من لغة التهديد.

محاولات توظيف المعارضة الإرترية

على الصعيد الاستخباري، سعت أديس أبابا إلى استقطاب معارضين إريتريين، بينهم عناصر تنتمي إلى تيار «برقيد نحمدو» المقرَّب تاريخيًّا من مشروع «أندِنِت» الوحدوي. غير أنّ تلك المجموعات تعاني انقساماتٍ داخلية (بين دعاة «تِغراي تِغرِنيا»، وأنصار التقارب مع «إثيوبيا العظمى»، وخصوم جبهة شعبية لتحرير إرتريا)، ولا يجمعها سوى عداؤها العلني لنظام أسياس أفورقي.

المعارضة التاريخية ترفض التنازل

في المقابل، تجاهلت الحكومة الإثيوبية المعارضة الإريترية التقليدية التي قاتلت إثيوبيا منذ حقبة هيلا سيلاسي حتى نيل الاستقلال. ورغم عداوتها الشديدة لأسياس، ترفض هذه المعارضة التفريط في أي شبر من السيادة الإريترية، سواء كان منفذًا بحريًّا أو أرضًا زراعية، ولا تتّفق مع طموحات آبي أحمد التوسعية.

بصمات إماراتية في القرن الأفريقي

يلفت خبراء إلى دورٍ متعاظم لأبوظبي في تغذية التنافس على الموانئ، مستفيدةً من قدراتها المالية واستثماراتها اللوجستية. فقد قدّمت الإمارات قروضًا بمليارات الدولارات لتمويل مشروعات بنية تحتية إثيوبية، ما عزّز علاقتها مع أديس أبابا ومنحها هامش تأثيرٍ في ملف «الممر نحو البحر الأحمر».

مأزق أنظمة «المراهقة السياسية»

لا يزال النظام الإرتري، برئاسة أسياس أفورقي، يرزح – وفق محللين – تحت «مراهقته الثورية»، رافضًا التحول إلى دولة مؤسَّسات تستوعب كلّ مكوّنات المجتمع. في المقابل، يُتَّهم آبي أحمد بالمنطق نفسه: إيثار استعراض القوة بدل معالجة أزماته الداخلية والخارجية بالحوار.

خاتمة

إنّ السعي الإثيوبي لفتح نافذةٍ على البحر الأحمر حقٌّ سيادي مشروع، لكن تحقيقه عبر تهديد الجيران قد يُدخل المنطقة في دوّامة صراعٍ جيوسياسي جديد. ويبقى الحلّ الأمثل في طاولة تفاوضٍ إقليميّة تبحث عن صِيَغ «رابح–رابح» تخدم التنمية وتوطّد علاقات شعوب القرن الأفريقي.

تعليقات

تعليقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى