التوقيع على الوفاة !!
من الصعب أن توقع أن تموت مختاراً ، ومن الصعب أن توافق على تكسير أضلاعك مختارا للوصول إلى قلبك . لكنه فعل .لأنه استوى عنده خيار الموت وخيار العافية بدل التعايش مع آلام المرض. عمره فوق الستين تقريبا أتى به أهلوه يلتمسون العلاج
مشكلته أن اثنين من صمامات قلبه قد توقفا ، وكان يعاني من مشكلات أخرى كثيرة عطلت بعض وظائف الجسم الحيوية
قرر الأطباء إجراء عملية له عاجلة في القلب ،وأخبروا أهل المريض أن فرصة نجاح العملية 10% مقابل 90% فشل يلزم أن يتوقعه المريض وأهلوه.
تمت الإجراءات على عجل لأن حالة المريض لا تتحمل التأخير
وقع المريض على استمارة الموافقة على إجراء العملية وهو عليم بتوقع الأطباء .
أدخل غرفة العمليات وتحلق حوله الأطباء الأخصائيون وفريق التمريض وأخذت الأجهزة تعمل بهمة بدل القلب المريض محل العناية والجراحة
استمرت العملية ثماني ساعات تقريبا خرج بعدها المريض إلى غرفة العناية المكثفة التي تتوفر فيها التجهيزات اللازمة للعناية بالمريض
استلم الممرضون المريض وأخذوا بالإجراء اللازم من تشغيل أجهزة العناية المكثفة والأدوية الخاصة بالحالة وهم في حالة استنفار قصوى يعملون كخلية النحل همة وتفاني وتعاوناً.
وكانت الأمور تمضي مبشرة تفاءل بها الجميع ،ومع ذلك تزداد المخاوف من حدوث انتكاسة لأن حركة القلب كسولة.
فجأة لاحظ الممرضون أن القلب.أخذ يتوقف بالتدريج وقد اعلنت الأجهزة الخاصة شارة الخطر .
هرع الممرضون إلى الاطباء يطلبون المساعدة ، جاء الطبيب المعالج وفريقه ، وجدوا الحالة في خطر لا تتحمل إدخال المريض إلى غرفة العمليات لإعادة العملية لتنشيط القلب، الوقت الآن لا يكفي لترحيل المريض من غرفة العناية المثكفة إلى غرفة العمليات ، فالحالة حرجة
وإن الإجراء السليم في هذه الحالة التصرف العاجل لتنشيط القلب الذي يتكاسل عن أداء مهامه ، بدأت الأيدي على عجل تمسك بأدوات الجراحة القاسية ، تم قطع سريع للأضلاع المخيطة حتى اكملوا شق الصدر مرة اخرى وأخذت يد الطيب المعالج تعمل في تحريك القلب انقباضا وانبساطا وهو مستسلم في الراحة القابضة الباسطة حتى استطاع تنشيطه ، وأخذ القلب العليل يقوم بالمهمة العادية بكسل وخجل .
غطى الطبيب وفريقه الصدر الجريح بغطاء طبي خفيف من أجل معاودة التنشيط يدويا إن لزم الامر
كان اهل المريض يحتشدون في الممرات وفي الخارج يراقبون الحالة بقلق
كنا قد أعطينا المريض الكثير من الأدوية و أجرينا الكثير من العمل عليه و أهله واقفون بالخارج يدعون الله له بالشفاء
توقف قلبه عدة مرات خلال المناوبة في العناية المكثفة ومع بعض الإجراءات أخذت حالته تتأرجح بين التحسن و التدهور.وظل مخدرا فاقد الوعي مدة ثلاثة أيام تحيط به الأجهزة والأدوية والمعالجون وهو لا يعلم من حاله إلا أنه وقع على الاستمارة ليتعامل مع جسمه الاطباء كما يهديهم علمهم وخبرتهم وأهل المريض في الانتظار يراقبون الحالة التي يؤملون في نجاحها 100 % بينما يرى الأطباء أن نسبة النجاح تتضاءل .
وغلب القدر أمانينا ، لقد أخذ الله أمانته في اليوم الثالث بعد العملية ،
قبل أن يصحو من التخدير الذي اعطي من أجل إجراء العملية وعلى الرغم مما بذل الأطباء من محاولات إنقاذ الروح فإنها قد تسربت من بين أيديهم ، تركت وراءها كثيرا من الأدوية المقررة والحرص المبذول والأهل المحتشدين لاستقبال عافية .
الاطباء العاجزون هنا هم انفسهم الذين كانوا قادرين من قبل لإنقاذ حالات كثيرة لعمليات القلب ذهبت إلى أهليها مسرورة . نعم عادت العافية على الأضلاع التي كسرتها الأدوات القاسية في طريقها إلى معالجة القلوب العليلة وعجزت اليوم رغم حرصها وتفانيها وإخلاصها ولهذا تتنامى القناعة لدى الأطباء أن الشفاء من الله ( وإذا مرضت فهو يشفين ) رحم الله وغفر له و لجميع المسلمين
التوقيع على الوفاة
هل تقوم بالتوقيع على وفاتك
من الصعب أن توقع أن تموت مختاراً ، ومن الصعب أن توافق على تكسير أضلاعك مختارا للوصول إلى قلبك