تقاريرحواراتمتابعات

القائد المناضل إبراهيم منتاي…….عاجله الأجل وفي نفسه شوق لأرتريا

بقلم أ. باسم القروي

إنا لله وإنا إليه راجعون ، وهل للأقمار دوام ، نعم اختفى القيادي المناضل إبراهيم محمود منتاي . أمضى ستة وسبعين عامًا وهو يحمل الواجب الوطني في ارتريا منذ أن كان طالبًا في مدرسة حرقيقو وقد درسه القائد عثمان صالح سبي رحمهما الله ، وحتى لحظات وفاته في السعودية منتصف هذا الأسبوع بعد رحلة مع المرض كان يتحمل آلامه القاسية إلى جانب آلام القضية التي يحملها بين أضلاعه الوجيعة .
المرحوم انشغل بالقضية انشغالاً لم يُتِحْ له فرصة إكمال الدراسة الجامعية ،وتنقل من أجلها بين عواصم عربية بدأها بالخرطوم التي وصلها على قدميه مهاجرًا من أرتريا في ستينات القرن الماضي ومضى في طريق الهجرة حتى وصل القاهرة تهريبا مرة يركب عربة اللوري في الصحراء التائهة ومرة يمشي على قدمين متعبتين وقد تعرض لأخطار كثيرة في الطريق كادت أن تقضي على حياته وحياة صحبه قبل تحقيق مقاصده.
والقضية الأرترية إلى جانب الموهبة في التواصل أكسبه صداقات مع كبار الساسة المؤثرين وتنقل من أجلها بين عواصم الجزائر وبيروت وبغداد وعدن والقاهرة بالإضافة إلى الخرطوم..
ذكر في حواره التوثيقي والتحليلي الطويل مع ” زينا ” شهادات حق أثبتت أن جماعة الإخوان المسلمين هم أكثر من نصر القضية الأرترية في مصر وفي السودان ، إنها شهادة تأتي من شخص قيادي لم تكن له علاقة ولاء وتنظيم بتلك الجماعة مؤكدًا أنها قدمت الخدمة لله ولم تطلب منهم ثمناً
وهكذا شأن أصحاب المبادئ لا أصحاب المصالح فتلك ثابتة وفية وهذه متقلبة حسب العلف والعشب الأخضر .
إبراهيم منتاي كان مكان إقامته الطبيعي أرتريا معززًا مكرمًا تتاح له الفرصة ليقضي أواخر عمره في شواطئ مصوع الهادئة ومناظر مدينته الأثيرة قندع الدائمة الخضرة والجميلة المنظر والكريمة المعشر ومكان وفاته الطبيعي أرتريا معززا مكرما تشيعه أهل حرقيقو ومصوع وقندع والشعب الارتري
لكنه مات في دار الهجرة أسيفا أليما يشكو ظلم الحاكمين وخذلان أهل القضية 

تحدث مع وكالة زاجل الأرترية للأنباء ” زينا ” عن تجاربه الواسعة معبرًا كيف أن الكبار الأوائل عانوا من الانشقاقات والمكايدات بين منسوبي المكون المسلم في أرتريا بينما الطرف المسيحي كانت تجمعه خيوط تنظيمية وان اختلفت ميادين عمله النضالي أو قبائله ولهذا يشهد الأستاذ إبراهيم منتاي أن المسيحيين ظفروا بحصاد الاستقلال بينما أهل الصدارة في النضال يموتون واحدا خلف آخر في دور هجرتهم القاسية.

يتحدث عن نفسه في ذكرياته مع ” زينا ” أنه من حضر لاختطاف طائرة إثيوبيا في باكستان تابع جدول رحلاتها حتى تأكد من الموعد المناسب وحضر السلاح وجهز الأشخاص وسلمهم الراية فأتموها بالكمال والحدث كان مدوياً . كان إبراهيم منتاي يدعو الإرتريين إلى الفعل لا الكلام وإلى الهمة لا الخمول .
موضحا أن عملية واحدة فدائية تقلب الموازين وتنقل القضية من الخفاء إلى الظهور حتى تتصدر الأخبار وتتصدر اهتمامات المجتمع الدولي لأن المظلوم إذا صرخ كلاماً لا يصعد صوته إلى الفضاء لكن إذا صرخ بحدث مدوي يصل أسماع أصحاب القرار والتأثير .
من آرائه إن الاستيطان الذي يحدث في إرتريا لا يوقفه غير دفاع أهل الديار عن ممتلكاتهم ولو أدى ذلك إلى استشهاد بعضهم ليحيى مكرمًا بعضهم الآخر مؤكدا أن عملية قتل شخص واحد معتدي على مزرعة أو منزل غيره توقف سلسلة الاستيطان الجائر كله أما إذا تقاعس الناس عن حماية حقوقهم بدمائهم فسوف تظل الدماء تراق بيد الغزاة دون أن تحقق الهدف .
مما يذكر أن أبراهيم منتاي كان أول أرتري تسلمت يمناه جوازًا دبلومسيًا أجنبيًا ” صومالي وعراقي ” بفضل حسن العلاقات التي نسجها مع الأصدقاء لكن جواز إبراهيم منتاي لم يكن مثل جوازات بعض المهاجرين الجدد التي تسعى للمعيشة والصمت الذليل وإنما كان جواز نضال وتضحية فقد سافر خدمة للقضية إلى أكثر من مكان وهرب في حقيبته الدبلوماسية السلاح الذي تم اختطاف الطائرة الإثيوبية به في باكستان وهناك فرق بين جواز فاعل يستثمر لتحقيق أهداف وطنية كبيرة وبين جواز عاطل يبحث أصحابه عن لقمة عيش وتأمين معيشة ويظل حبيس اهتمامه الضيق حتى يأتيه الموت وهو في سجنه الاختياري وكم هي هذه الأعمار التي أقصت نفسها عن ضجيج العمل النضالي وتضحياته وهي تظن انها تحسن صنعا.
سرني أنه وثق في حديث له طويل مع ” زينا ” لأشخاص وأحداث وموافق وصراعات فقد قدم تلك المقابلة إلى القارئ فهي تخلد الفعل السياسي والحراك الثوري كيف كان في عهد السابقين قدمها بكل وضوح وشفافية دون مجاملة ولا التواءات اللغة السياسية وإنها لمهمة شريفة أن يضع الفاعلون سيرتهم الذاتية أمام العالم موثقة بهدف الاقتداء بها فمن لا تاريخ له لا حاضر له ولا مستقبل .وكثيرة هي السير الذاتية والتحليلات الوجيهة للأحداث ماتت في صدور صناعها .
تواصلت مع بعض أهله للحديث الموثق للحظات الأخيرة للمرحوم إبراهيم منتاي فخنقتهم العبرة عن التصريح . قدرت الموقف لأن غياب النجم الذي لا يعوض يورث ذويه الألم العميق والدهشة المحيرة ، ثبتهم الله وجبر كسرهم رحمك الله أيها القائد الهمام إبراهيم منتاي فمثلك قليل فسيرتك الوضيئة كنت واثقا من بقائها بعدك ولهذا اعتنيت بها عندما برأتها من التمسح بجدار الحاكم الجبار الذي سلمه بعض أصحابك أعناقهم فامتطاهم وأنت لم تفعل بل آثرت قسوة الهجرة على دعة الوطن و شظف العيش على خميلة الطاغوت وقصره المشيد .

بقلم أ. باسم القروي

تقييم المستخدمون: 4.7 ( 1 أصوات)

تعليقات

تعليقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى