أمسية حزب الوطن الأرتري الديمقراطي …المعارضة وجهًا لوجه أمام الجماهير
تعودت المعارضة الأرترية أن تظهر إلى الناس ببيان كسول ، كلهم يصدره في مناسباته الجامعة ، وكلهم يزكي فيه نفسه ، وكلهم يحاول فيه اتخاذ خطط عمل مستقبلية لا يرى المواطن لها أثرًا ملموساً غير أنها تبقي التنظيم على قيد الحياة
وتمضي السنون التي تعمل على تأكل الخطط والآمال والتنظيمات والأشخاص حتى شاخت ، وشاخ قادتها وشاخت طموحاتها إلى حد اتجه فيه كثير من قادة التنظيمات من الأهداف الوطنية العريضة إلى القناعة بتوفير قوت يومه .والتبرير دائماً هو العجز والاستسلام أمام الظروف القاهرة
و” حادي” كسر العادة المثبطة فكان مبهرًا في مبادرته الرائعة
لا حجة لأحد أن يعتذر بشيء كان يقعد عن عقد المناسبات الجامعة للمعارضة من قبل
لأنه ليس مطلوبا أن نلتقي :
رصدُ ميزانيات
ولا حجزُ مكان
ولا ترحيلُ أشخاص
ولا أخذ تصريحً من جهة مسؤولة صاحبة غرض وضغط
ولا مصروفاتُ الاجتماع من طعام وشراب وسكن وسياحة ومواصلات
لا تعدو أن تكون شروط المشاركة في الأمسية الجامعة لكل قوى العارضة أن :
- تفتح حسابك المجاني ( zoom ) في الفيسبوك
- تحضر نفسك في الساعة المحددة
- تضبط صورتك جيدًا وهندامك حسب رغبتك
- تحدد رأيك بالضبط فأنت الآن أمام الجماهير
فكل شيء فيك سوف يكشف
ولا سلطان هنا للمراوغات الماكرة ، ولا التحالفات المثبطة ، ولا الضغوطات الخارجية. الكل على الهواء مباشرة خارج حيز التأثيرات الجانبية. وكانت النتيجة أن يلتقى كلهم ، ويتحدث كلهم حديث المسؤول الواعي ، و الضمير الحر ، والفطرة السليمة.
التوافق التام :
قال الاستاذ عبد الكريم مصطفى الذي أدار الأمسية بهدوء جميل، وحكمة بليغة ، وخاطبها بلغتين العربية والتجرنية .قال : أبلغنا الضيوف خلال 48 ساعة فقط فأتوا راضين ، مستجيبين ، ولم يرفض الدعوة أحد ، و ” لم ” هذه الجازمة من العذوبة بمكان ولهذا ساغ لي تكرارها مراتٍ في مشاهد تالية من هذا المقال، ليس لعدم وجود فرصة للاعتراض والرفض وإبداء رأي مخالف في الأمسية وإنما لأن ما يجمع المعارضة ويؤلفها أكثر مما يفرقها ويباعد صفها ، ولأن رغبة الناس في التقارب ، والعمل الموحد أكثر من رغبتهم في التشويش على مواقف ومبادرات بعضهم ، والشغب على آراء بعضهم ، والأولويات التي طرحتها المنصة محل رضى واجماع بين القادة الحاضرين.
وكان الحكم الجمهور الواعي المتابع للبث المباشر وهو يدرك الآراء الهادمة ، والآراء البانية فهذا عامل مهذب للأراء مع نوايا طيبة لأصحابها .
وموضوع الأمسية محدد : يوم المعتقل الأرتري
ولم يعترض أحد والوسيلة والزمان محددان فلم يعترض أحد. والتعليمات من المنصة صدرت أن الفرصة متاحة لكل شخص في حدود خمس دقائق فقط لا غير وله أن يتحدث بلغتين العربية والتجرنية فإن فعل ذلك زادت المنصة له دقيقتين أو ثلاث
ولم يعترض أحد وكانت البداية من طرف الجهة المضيفة بحكم العادة ففي خمس دقائقها الممنوحة تحدث د.أحمد دين صالح باللغة العربية مختاراً لها دون ما يعرف من غيرها من لغات أخرى من تجرنية أو أنجليزية او ساهو أو تقري
ولم يعترض أحد
وانتهت كلمته دون أن يحس بأنه مقصر إذ لم يترجمها إلى لغات أخرى وكسب الزمنَ في المختصر المفيد ، و لم يدع أحد انه مغبون أو أنه لم يفهم الكلمة
وقد اختفت المشاغبات التي تضيع الزمن كثيرًا في اجتماعات المعارضة حيث يطلب أنصار كل لغة ترجمة اللغة الأخرى خاصة سلبية التشاكس الذي يحدث بين أنصار العربية و أنصار التجرنية
فواضح أن التقرنية كانت مفهومة لدى المتحدثين بالعربية وهذه كذلك لدى المتحدثين بالتجرنية الأمر الذي يؤكد أن اللغتين توأم إذا صلحت النوايا , وطالبت النفوس ومعظم الآراء متوافقة ولهذا مضت الأمسية بسلاسة ، وليس بعيدًا أن تكون مواقف التنظيمات وأطروحاتها السياسية متقاربة إلى هذه الدرجة وسوء التفاهم وعدم الثقة يؤزمها ويباعدها، فلوا أزالوا أسباب النفرة من خطابهم وسلوكهم تجاه بعضهم لوجدوا أنفسهم في مركب واحد ، ولو جمعت كل البرامج السياسية للتنظيمات أهدافًا ووسائل لوجدت سوادها الأعظم متطابق المضامين.
حديث رئيس ” حادي ” :
د.حمد دين صالح رئيس ” حادي ” تحدث عن أهمية يوم المعتقل وشكر المبادرين الأوائل وعلى رأسهم الشيخ محمد جمعة أبو الرشيد ودعا المنظمات الدولية أن تقوم بواجبها تجاه حقوق الإنسان في أرتريا
ودعا النظام أن يراجع حساباته وأن يفرج عن المعتقلين
ودعا إلى تطوير آليات يوم المعتقل ، وأن تتبناه التنظيمات المعارضة وقال في حق منسقية يوم المعتقل مزكيا مسيرتها خلال سنواتها الماضية :
استطاعت ان توصل صوت المعتقل إلى المنظمات الدولية مثل لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة وأضاف :المعتقل قضية إنسانية وسياسية موضحا أن يهتم به الساسة وغيرهم من العاملين في الحقل الإنساني ودعا إلى تطوير آلية منسقية يوم المعتقل وأن تطعم من كل قوى المعارضة وحذر د. أحمد دين من أن الغبن الذي تعرض له الشعب الأرتري قد يفجر أوضاعًا مأساوية أكثر تعقيدًا وألمًا إذا استمر أكثر من ذلك واتهمت كلمته النظام بعدم الانشغال بالمعتقلين ،وأنه لم يفرج عن المعتقلين بسبب الكورونا و لم يراع حتى الحالات الإنسانية للمعتقل من كبار السن أو المرضى أو الصغار ) .
فرص التحدث :
وتوالت بعده كلمات قادة الفصائل الأرترية المعارضة فتحدثوا واحداً واحدًا وكلهم كأنه ينهل من معين عذب واحد يتحد فيه اللونُ والطعمُ والرائحة.
وليس مألوفاً أن يتحد موقف أكثر من 18 تنظيمًا ضمتهم الأمسية تجاه قضية كما اتحدت هذه المرة حيث تجاوزت جدلاً معهودًا حول تعيين اليوم , وخلفيات المبادرين الأوائل وأولويات العمل في ملف المعتقلين .
وكان من أجمل ما فعلت الأمسية أن أعطت لكل ضيف فرصة الحديث لتلخيص فكرته في دقيقتين ختاميتين .
وقد فعلوا ، واحسنوا
كان كل متحدث يثني على حديث من سبقه أمام الملأ، كل منهم يحترم من سبقه في النضال ، ويقدر دور الآخر ، وهو على الهواء مباشرة .ولا يتعالى أحد على أحد ، ولا يحقر أحد نضال أحد
غياب ضئيل مبرر :
غاب عن الحضور فقط أربعة تنظيمات لأسباب قاهرة حسب تبرير المنصة أما بقية التنظيمات فقد حضرت وكثير منهم على مستوى الرؤساء بينهم الأستاذ نقاش عثمان عن المجلس الوطني الأرتري للتغيير الديمقراطي الذي يضم السواد الأعظم من تنظيمات المعارضة .. الأمر الذي يدل على أن الأمسية كانت حدثا ضخما في تقديرهم .
الأمسية كانت جميلة ، وشفافة حيث تم إلغاء كل الحواجز بين القادة وبين الجمهور الذي يلوم عادة المعارضة وهو معرض عنها ، و كانت فرصة لتجاوز الإشاعات السالبة التي تصنع في السوق ثم يروج لها بين الجماهير تناصر هذا، وتخذل ذلك ، تبرئ هذا وتتهم ذلك هذه الليلة لا أحد يخفى عليه موقف أحد
النتائج :
وانتهت الأمسية إلى نتائج مرئية متفق عليها بين كل المعارضين :
- الاحتفاء بيوم المعتقل الأرتري واعتماد 14 من إبريل ذكرى تتكرر سنوياً
- توسعة لجنة يوم المعتقل بحيث يشترك فيها الجميع ويتم لها الإعداد بصورة جيدة إعدادًا يشترك فيه الجميع
- الاحتفاء بالخطاب الواضح الشفاف أمام الجمهور أداة للتواصل
- انتقال المعارضة من التخندق في قضايا محدودة إلى قضية التغيير في الوطن لأنها محل اجماع .
- كسر قيود الميزانيات الشحيحة وضغوطات الدول المضيفة ، ورعب وباء الكورونا
- تعهد حزب الوطن إدارة الأمسية برصد وجمع خلاصة الأمسية وإرسالها إلى كل الأحزاب المعارضة حتى تتحول مقترحاتهم وتوصياتهم إلى برامج عمل مستقبلاً
- عابت الأمسية على السنين الماضية كيف أنها كانت فاشلة دون فعل رغم التنظيمات المعارضة الكثيرة إذ لم تستطع توحيد صفها كما لم تستطع تجاوز ضعفها وبالتالي لم تستطع أن تهز في النظام المستبد شعرة
- مبادرة ” حادي ” فتحت الفرص أمام المعارضة أن تعقد مجتمعة مناسباتها الوطنية المشتركة ومؤتمراتها الجامعة أمام الجماهير عبر التقنية الحديثة متجاوزة كل المعيقات المادية والقيود السياسية الضاغطة
آخر سطر :
مبادرة ” حادي ” على جلالة قدرها وبديع تفردها ليست هي خاتمة المطاف فبإمكان كل تنظيم أن يقوم بشيء مشابه لما فعل ” حادي ” أو أكثر في التجرد من الإرث الثقيل من الأنانية والاعتزاز بسلبيات الماضي العقيم ، والخصوصية المعيقة، ويرحل بإيجابيات ماضيه إلى الانفتاح نحو الآخر بصدر رحب واثق شجاع يدفعه في ذلك الإخلاص للوطن وإيثار المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
شكرا لك يا ” حادي ” كنت مثيراً للدهشة . فشددت انتباه أكثر من 37 ألف مشاهدة حتى الآن للأمسية في صفحتك بالفيسبوك والتعليقات والإعجابات والمشاركات تتواصل..والفرصة أمامك للنجاح مفتوحة وأنت مع الآخرين شيء جميل والصدر الرحب مثل الوطن الرحب يسع الجميع.
د.حامد محمد حالفا قلم فقيه وأستاذ جامعي يهتم بالسياسة الشرعية والقضايا الفكرية ، يكتب البحوث العلمية المحكمة التي تعالج مشكلات المجتمع من الوجهة الإسلامية