“زينا تحاور أ. علي حول المعارضة وآفاق التغيير”
يسرنا أن نرحب بالأستاذ علي محمد محمود في ضيافة “زينا”، حيث نناقش معه آخر المستجدات على الساحة الإرترية. اليوم نبحث في رؤى وأفكار حول ائتلاف الفصائل الثلاثة المعارضة، وما إذا كانت الوحدة المتسرعة تؤدي إلى نتائج سلبية على المدى الطويل. كما سنسلط الضوء على دراسة المعارضة الإرترية لطلب إثيوبيا استعادة العلاقات بينهما، في ظل ظروف سياسية معقدة. إضافة إلى ذلك، نتناول كيف يحتكر النظام الإرتري موارد الوطن ويستخدمها لزعزعة استقرار الشعب والإضرار بدول الجوار.
الأستاذ علي محمد محمود في ضيافة زينا:
– لا نريد من ائتلاف فصائلنا الثلاثة وحدة عاجلة يعقبها ألم الفراق
– المعارضة الإرترية تدرس بهدوء طلب إثيوبيا لعودة علاقتها بها
– النظام الإرتري يحتكر موارد الوطن من أجل صرفها على إيذاء شعبه والشغب على دول الجوار..
يصدق فيه وصف: انه خبير في الملفات السياسية الإرترية والإقليمية ، فقد عمل فيها منذ ايام كان طالبا ، وشغل في قيادة الحركة الإسلامية الإرترية مناصب قيادية رفيعة ، وأدار الملف السياسي، وأمسك في تنظيمه بملفات إدارية مهمة .ينظر إليه بأنه من افضل المراجع ذات الخبرة في مجاله السياسي والإداري ” النقابي ” بعد وفاة الشيخين : أبي نوال محمد إسماعيل عبده ، وابي ماجد حامد صالح تركي – رحمهما – ، هادئ متزن وسطي الطرح. طرقت بابه فرحب بالمقابلة فورا ، لإدراكه أهمية الإعلام للتواصل مع الجمهور القارئ ، ولا سياسة دون التواصل ، ولا قيمة لفكرة لا تجد طريقها إلى الجمهور والإعلام المهني هو الوسيلة الأهم للربط بين أصحاب الفكر والسياسة وبين الجمهور .
سألته عن نتائج الوحدة المتدرجة بين تنظيمه ( حادي) وبين فصيلين آخرين فبشر بأنهم على الطريق الصحيح ، ولا يسعون للإعلان عن فرحة بالوحدة يعقبها آلام الفراق ، وذكرت المقابلة تواصلا جديدا سرا بين تقراي والنظام الإرتري ، وعاب عليهما إراقة الدماء بين الشعبين مادامت هناك فرص للتلاقي وحاجة ملحة لبناء علاقات متينة معافاة من الضغائن .
وعن اقتصاد إرتريا أكدت المقابلة أن النظام الحاكم يستاثر بكل الموارد الوطنية، والمعونات الخارجية ؛ ولهذا ينفق بسخاء على بناء قوى معارضة لدول الجوار، كما ينفق بسخاء على أجهزته القمعية التي تحمي النظام من الانهيار ، ولا تتجه الموارد للتنمية الوطنية ، ولا إلى الشعب الفقير ..وذكرت المقابلة بأن اهم مورد للنظام ماليا هو الضرائب التي يأخذها قسرا من المواطنين العاملين بالخارج ، ومن المعادن التي تستغلها شركاته ، و من معونات يتلقاها مقابل أدوار مطلوب منه تنفيذها لصالح الدافعين.
حاولت المقابلة جر الضيف إلى الانفعال فلم يستجب وإنما مر بهدوء مع الأسئلة غير الهادئة ، وكشف أن إثيوبيا الحالية تتواصل سرا مع المعارضة الإرترية ، ولا يزال الملف قيد الدراسة خوفا من أن ينتهي إلى موقف خاسر شبيه بموقف إثيوبيا سابقا الذي انتهى إلى هجرة المعارضة الإرترية من دار النجاشي إلى الديار البعيدة ، وكان خيار غير مرحب به في رأي الضيف .
أجرى المقابلة ا .باسم القروي.
بعد اختفاء اسمكم الإسلامي وظهور اسمكم الجديد ( حادي )
دخلتم في اتفاقيات مع بعض الفصائل الإرترية …السؤال :
– ما جدوى الالتفافات ذات الوزن الخفيف مع وجود المظلة الجامعة لقوى المعارضة الإرترية
في البدء أتقدم بالشكر لموقع (زينا) لهذه الاستضافة ولما يبذله من جهد إعلامي متميز ومهني، يسهم في الوعي الجمعي الإرتري بكل أطيافه، وبخاصة الوعي السياسي الذي يعتبر هو خطاب الوقت، بسبب الحالة التي تعيشها إرتريا وشعبها، تحت حكم دكتاتوري متسلط.
إذا كان ما تعنيه بالوزن الخفيف (الائتلاف) فإن الوزن يكون بالفاعلية وليس بالحجم الفيزيائي. الائتلاف يختلف عن المظلة الجامعة (المجلس الوطني للتغيير الديمقراطي) فالمجلس اتفاق على برامج الحد الأدنى، فالقرارات في هذه المظلة تكون بالتوافق مما يصعب معها الاتفاق على كل شيء، ثم أن المجلس ليس معنيا بالبناء التنظيمي، وإنما بالتمثيل السياسي العام، وتسويق الرؤية السياسية للخارج في قالب جمعي. فغايات المجلس غايات مؤقتة وكأنها مهمة ظرفية، بعكس غايات الائتلاف التي تتسم بالديمومة. الائتلاف هدفه وحدة هذه التنظيمات في تنظيم واحد، بحيث يقلل عدد التنظيمات، وتكوين كتلة قوية قادرة على أخذ زمام المبادرات، ومواجهة ضعف تنظيماته في المجالات المختلفة سواء إعلامية أو سياسية، وتطوير وتحسين الأداء انطلاقا من تلاقح الأفكار والبرامج، وزيادة الموارد بضم كل المجهودات، بعد أن تبين للجميع بأن الحلول الفردية محدودة النتائج.
وفي نفس الوقت منع تكرار العمل الذي يقوم به كل تنظيم على حدة، بصورة قاصرة نتيجة قلة الموارد، وأن يكون نموذجا للعمل الوحدوي المبني على الدراسات المعمقة، بغية الاستمرار والفاعلية.
ما الأهداف التي تحققت من خلال تلك الاتفاقيات؟
ينبغي ألا ينظر إلى مثل هذه الاتفاقيات من منظور اللحظة السياسية فقط، وإنما أيضا استشراف القادم والمسار السياسي البديل، ومن أهم الأهداف التي تحققت تقليل التشظي السياسي، وتعزيز الثقة بين قيادات هذه التنظيمات، وتقارب وتلاقح الرؤى والبرامج والعمل المشترك في تقوية الوحدة الداخلية، عن طريق اللقاءات والتنويرات المشتركة. تعمل قيادة الائتلاف بانسجام تام، وفق آليات مرنة، اتفق عليها عبر مؤسسات واضحة تضطلع باتخاذ القرارات وفق اللوائح، لتحقيق الأهداف المرجوة.
لا ارى في الإجابة ما يدعو إلى إقناع القارئ بوجود منجزات مادية تظهر رأيى العين !! كم عمر هذا الائتلاف ؟ ولماذا عجزت كل هذه المدة أن تجعل منكم تنظيما واحدا يقتدي به الآخرون ؟
ربما الإجابة لا تقنع القارئ الذي ينتظر من المعارضة إنجازات كبيرة تخلصه من هذا النظام الممسك بحلقومه، ولهذا ماتقوم به المعارضة مهما كان حجمه لا يشفي غليله، من شدة الغصة والألم الذي يشعر به. ونحن أيضا غير راضين عن أدائنا ولكن الإمكانات لا تسمح فوق هذا حتى الآن.
كان بامكان الائتلاف أن يكون تنظيما واحدا من أول يوم ببيان تصدره تنظيماته، بيد أننا قبل الدخول في الوحدة درسنا كل التجارب الوحدوية السابقة بين الفصائل الإرترية طوال عهد النضال وبعد الاستقلال، فاستخلصنا منها دروسا، وهو أن تبنى الوحدة على أسس راسخة، وتكون مطلب كل قواعد التنظيم، وليس خيار القيادات فقط، حتى لا تنتهي إلى نكسة انشقاق آخر يصيب الساحة باحباط جديد، وتكون صدمتها ضعف فرحة إنجازها (إِنَّ حُزْنًا فِي سَاعَةِ الْمَوْتِ أَضْعَا فُ سُرُورٍ فِي سَاعَةِ الْمِيلَادِ)
يحيط بالوطن إرتريا صراعات عنيفة في دول الجوار فما سر هدوئها وهل سوف يستمر هذا الهدوء حتى تصبح ملاذا آمنا للخائفين من شعوب دول الجوار ..
المنطقة تزداد احتقانا وتعيش حالة حرب وعنف، أو تستعد لحرب وعنف جديدين، إرتريا في الظاهر هادئة ولكنها في الواقع تغلي، (إِنَّ اْحْتِدامَ النَّارِ في جَوْفِ الثَّرَى *أَمْرٌ يُثيرُ حَفِيظَةَ الْبُرْكانِ) إما لأنها تعمل على إشعال هذه الحروب في الجوار، وقد تشب شررها في الدار، أو أنها تسعد لتكون جزءا من هذه الحروب وعندها لا تملك القدرة على إنهائها، وبالتأكيد ليست كسابقاتها وقد نفد حلم الشعب والجيش، فليس كل مرة تسلم الجرة، مع أن النظام يفضل الحرب على الهدوء لأنه يعلم أن للهدوء والسلام له ثمنا لا بد أن يدفعه، من الاستحقاقات الدستورية، والحقوق المختلفة، وفتح ملفات ظلت مغلقة، وهي مطالب شعبية مشروعة، لا يملك النظام الشجاعة أن يقدم عليها، لأن إتاحة الحريات العامة بالتأكيد فيها نهايته.
لجأ كثير من السودانيين إلى ارتريا فأشادوا بما وجدوا من امن مستتب وخدمات مجانية كبيرة قدمها لهم النظام والشعب الإرتريان .
والنظام السوداني الحالي أشاد إشادة كبيرة بالموقف الإرتري من الحرب في السودان. مما يفيد أن ما تذكر هذه المقابلة من نهاية النظام في ارتريا يثق الآخرون بخلافه . .. يا شيخ ابا محمد في ارتريا نظام ممكن ، قادر على البقاء ، وأن خيره متعدي إلى غيره ، والآخرون يثقون به لا بكم …ما تعليقك ؟
كل من يزور إرتريا من الأجانب العاديين يقول إن الأمن مستتب، في الظاهر هذا صحيح فالشعب الإرتري بصورة عامة شعب يلتزم بالقانون ويحترم ضيفه، ولكن هؤلاء الزوار لا يدركون الغليان الداخلي الذي يمكن أن ينفجر في أي لحظة، فإن القبضة الأمنية وما مر به الشعب طوال الثلاثة عقود، لا تشجعه على المعارضة العلنية، إلا أن الغضب يتنامى باطراد، ولينتظر الجميع بعض الوقت ليرى ما كان يظنه استكانة ورضى. أما ما يقدم للاجئين السودانيين فهذا أبسط ما يقدم للشعب السوداني الشقيق، بل يستحق أفضل من هذا، وهذه الخطوة من النظام نعتبرها ايجابية، فهي تصب في مصلحة الشعب وهو دين مستحق رده. أما الموقف السياسي للنظام من الصراع السوداني فهو مبني على الصراع مع إثيوبيا والإمارات، وليس من أجل عيون الحكومة السودانية والجيش السوداني، وهنا تتقاطع الاستراتيجيات.
أين المعارضة الإرترية….لماذا هي خافتة الصوت والفعل؟
في ظل عزوف المثقف الإرتري عن التفاعل مع مناشط المعارضة، وانسحابه من الشأن العام، دون تقديم مشروع مجتمعي أو سياسي بديل، يخرج إرتريا من حالة التيه القائمة، بل ما نلاحظه من خنوع المثقف وتصالحه مع الواقع الراكد، وفي ظل غياب الدعم الوطني المناسب لمناشط المعارضة، فلا يتوقع منها أن تحقق كل أهدافها، وهذا ليس من باب (رمتني بدائها وانسلت) فنحن في المعارضة نعترف بقصورنا، واخفاقاتنا، وضعف قدرتنا على إقناع الجمهور الداخلي، والقوى الصديقة، مع حرصنا على الاستمرار بالرغم من ضعف النصير والداعم، ومع ما يلاحظه المتابعون من خفوت صوت المعارضة، وخاصة أحزابها السياسية، إلا أنها عموما توسعت رقعتها وأدوارها ومواجهتها للنظام، ولعلك تتابع هذه الأيام حتى من رباهم النظام على أفكاره وبرامجه أحادية الثقافة والتاريخ، وتحت سمعه وبصره، هم اليوم أكثر من يهز عرشه ويقض مضجعه، وهذا ما جعله يصرخ حديثا ضد كل المعارضات محاولا رميها بكل نقيصة، أو نفيها عن الوطن بأنها ليست إرترية.
هل من تطورات إيجابية على صعيد المعارضة أو الوطن تبشر بها هذه المقابلة المجتمع الإرتري؟
مما يظهر بأن النظام لم يعد بتلك القوة التي كان عليها قبل سنوات، بعد أن تكشفت دعايته التي حاول شغل الرأي العام الإرتري بها، وهي ادعاؤه أنه يواجه قوى أجنبية تحاول النيل من السيادة ومن الوطن كليا، فهذه الدعاية لم تعد تنطلي على أحد، ولا تلك المغامرات التي خاضها في حروب خارج الوطن، محاولا زعزعة استقرار الدول المجاورة، ومع أنها لحظة الوعي المتأخر، إلا أنها تتبلور سريعا، ويفضحها تعالي أصوات الشباب الثائر في الخارج والداخل، والمطالب بالإصلاحات القانونية والسياسية دون خوف ووجل، عكس ما كان عليه الحال في السنوات الماضية، ولا يتوقع أن يستسلم الشباب في الداخل للقهر بعد هذا، بعد أن أدرك الحالة الاقتصادية والسياسية والتنموية للوطن والمواطن، التي أزرى بها النظام. ويرى دولا أقل شأنا وموارد من إرتريا قد شقت طريقها نحو التطور والنمو.
ما أوجه تأثير الأوضاع السودانية الساخنة على الشعب الإرتري في الوطن وفي المهجر؟
إن عدم الاستقرار في أي من دول الجوار له تداعياته على إرتريا، ولاسيما السودان الذي كان الرئة التي يتنفس منها الشعب الإرتري في الداخل اقتصاديا، كما كان منفذا مهما يتلقي فيه المرضى الإرتريون العلاج لسهولة الوصول دون تأشيرات، أو دفع مبالغ لا يطيقها، بل كان المكان الحر الذي يمكن لكل إرتري أن يقابل فيه أبنائه الذينلا يستطيعون العودة إلى إرتريا خشية تعرضهم للمضايقات الأمنية من النظام المتجبر، كما كان السودان المعبر الأنسب إلى العالم الخارجي للشباب المتطلع إلى حياة أفضل تعليما أو معيشة
هل من أدوار خدمية وإغاثية تقوم بها المعارضة الإرترية لصالح الإرتريين المتاثرين بالكوارث في السودان ؟
هذا دور منظمات المجتمع المدني ومؤسسات العمل الطوعي الخيري، أما المعارضة السياسية فإن دورها يتركز في البحث عن سبل ووسائل تقصير أمد معاناة الشعب الإرتري خاصة اللاجئين منه، بتخليصه من أسباب لجوئه، باقتلاع هذا النظام وأقلها محاصرته، وكشف عواره، وانتهاكاته لحقوق مواطنيه، ثم يتعدى دور المعارضة في مخاطبة الدول والمنظمات الدولية لتقوم بواجبها تجاه الشعب الإرتري، سواء في الداخل أو المهجر، فهي عبر المقابلات المباشرة، والمذكرات حاولت توصيل معاناة اللاجئين في السودان وإثيوبيا واليمن ومصر، فقد خاطبت عددا من الدول والمنظمات للاضطلاع بدورها في مساعدة الشعب الإرتري الذي يواجه مضايقات، ونقص في الاحتياجات الضرورية في تلك البلدان، رفعت هذه المذكرات بصفتها تنظيمات وأحزاب بصورة فردية، أو عبر المظلة السياسة العامة التي يمثلها المجلس الوطني.
هل من تغييرات سياسية إيجابية تنتظرها إرتريا يقوم بها النظام الإرتري؟
لقد انتظر الشعب الإرتري أكثر من ثلاثة عقود حتى يرى التغيير، وقد بلغت موجة مشاعر الإحباط واليأس وحالة عدم اليقين مداها، وكأنه يردد مقولة (لن يُسْلِم حتى يُسْلِم حمار الخطاب) فقد يأس من خير يأتي من الدكتاتور العجوز “السادي” الذي جبل على هذه الحالة، حالة التلذذ بتعذيب شعبه، وإلا فلا مبرر لهذه الحالة أن تستمر كل هذه السنوات العجاف. حتى ما تتداوله الأوساط الشعبية من رؤية “التوريث” يتمنى الشعب لو يصبح حقيقة، إذا كان بعيدا عن تحصين كبار الدمويين من المساءلة الجنائية، أو تمكينهم من استنساخ النظام السابق، فقد يكون في هذا طي لصفحة من التاريخ لا أعتقد تتكرر في أي بقعة من العالم، ولعله يفرز قوى التحول وليس التغول، كما هو حادث، لو تخلص الشعب من حكومة العجز والظلام هذه، فلعله يخرج إلى الضوء. وكل الدلائل تشير بأن عمر النظام الدكتاتوري الفردي في تقاصر.
سواد القوى الإرترية من نظام ومعارضة ترفع شعارات وطنية شبه موحدة .ليس فيها طعم لطائفة أو دين أو إقليم … فما الأسباب الحقيقية.التي تبعد المسافة بين فصائل قوى المعارضة ..وبينها وبين النظام ..لماذا صارت الوحدة الوطنية أمنية الجميع ويعمل ضدها الجميع ؟
صحيح أن البرامج متقاربة أومتشابهة وما يجمع بينها اليوم هو الحيز المكاني وليس الحيز الفكري، فتكاد الأهداف العملية تكون واحدة، فكل أحزاب المعارضة تهدف للتغيير، وإحلال نظام ديمقراطي بديل، وتلتقي مع النظام في هدف حماية السيادة، ووحدة الشعب، وتوفير الرفاهية له أقلها نظريا، فليس الصراع بينها صراع وجود، وليس بالضرورة أن يكون الاختلاف بسبب دين أو طائفة، أو إقليم، ولكن مادام هناك تعدد في الأفهام فهناك اختلاف حتى داخل الدين الواحد والفكر الواحد، “ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك” في رأيي يصعب أن تتحد المعارضة في تنظيم واحد، ولكن بالضرورة أن تتفق وتتعاون في تنفيذ ما اتفقت عليه برنامجيا، ويكون الاختلاف اختلاف تنوع لا تضاد، وفي نفس الوقت تتجنب الأرضية الزلقة التي وقفت عليها قلة ترى المخرج في إلحاق إرتريا بأحد الدول، عن طريق عملية تزييف الوعي، مما يشي بإعادة الاستعمار، وإن كانت بصورة غير مباشرة، تحت مبررات غير منطقية، وفي هذه الحالة تفقد المعارضة توازنها ومبرر وجودها. أما إمكانية الاتفاق مع نظام اسياس في حالته الراهنة، فهو جسم عليل مصاب بمرض مزمن عضال لا يستطيع البرء منه، فالتقارب معه في حالته الراهنة يوشك أن يكون شبه مستحيل، وإن كان لا مستحيل في السياسة.
ما هي أبرز قوى المعارضة السياسية في إرتريا ذات الوزن المعتبر في رأيك؟
في حالة المعارضة لكل معارض حتى لو كان فردا له دور ووظيفة، وكان الشيخ حامد تركي رحمه الله يرفض تصنيف المعارضة حسب الأوزان، بين تنظيم كبير وتنظيم صغير، فلكل دوره، فنحن لسنا في ساحة انتخابات بحيث نحدد من الذي يحوز على أكثر الأصوات، فقد تكون الفاعلية والتأثير لرجل واحد، وقد يتطلب ذلك تضافر كل التنظيمات.
دع هذه المقابلة تخرج بمعلومة مفيدة
كم عدد تنظيمات المجلس الوطني؟
وكم عدد التنظيمات غير المنضمة فيه وما أسباب عدم انضمامها في رأيك ؟
عدد تنظيمات المجلس الوطني تتجاوز (17) تنظيما ويوجد خارجه حوالي (7) تنظيمات أما الاختلاف فسببه تباين وجهات النظر حول التكوين والتمثيل، ومع هذا فهناك تنسيق في القضايا الأساسية بين المجلس وهذه التنظيمات، والحوار مستمر أيضا لتذليل الطريق أمام عمل معارض فاعل. وقد تتخذ التنظيمات خارج المجلس مظلة تجمعها مشابهة للمجلس الوطني، إذا لم يفض الحوار إلى اتفاق مرضي للطرفين، وهذا مرهون أيضا باتفاق تنظيماتها على التفاصيل.
هل خسرت المعارضة الإرترية بخروجها من إثيوبيا ؟ ونسمع أن إثيوبيا تسعى مجددا لاستضافة المعارضة بعد أن تأزمت العلاقة مع النظام الإرتري فما هو موقفكم من هذا؟
المعارضة قبل خروجها من إثيوبيا قيمت العلاقة مع النظام الإثيوبي تحت قيادة التقراي، ووصلت على حقيقة بأن العلاقة لم تكن استراتيجية، والنظام الإثيوبي حينها لم يعمل بصورة فاعلة لأن التكون المعارضة بديل لنظام اسياس افورقي، فلم يقدم لها الدعم اللازم، كما يفعل النظام الإرتري مع المعارضة الإثيوبية، ولم يساعدها في بناء علاقات مع الدول والمنظمات الدولية، بل أسهم في إضعافها من خلال تبنيه للانشقاقات داخها، وهذا التقييم ليس سرا، فقد قدم للحكومة الإثيوبية في حينها وكان التقراي في السلطة، ومع هذا لا ننكر أبدا ما قدمته إثيوبيا من دعم رغم محدوديته، وبالنسبة للخروج من إثيوبيا فمن المؤكد إن خروج المعارضة من أي من دول الجوار يعتبر خسارة لها، لأن في هذه الدول قاعدة شعبية إرترية عريضة، إضافة إلى قرب هذه الدول وتأثيرها على إرتريا كموقع جيوسياسي.
والجديد في الأمر أن النظام الإثيوبي بدأ حاليا يتواصل مع المعارضة الإرترية، والمعارضة من جانبها لا تمانع أن تتواصل مع إثيوبيا كدولة جارة، ولكنها تدرس جدية هذه العلاقة، وعدم مساسها بالثوابت الوطنية.
توجد تصريحات إثيوبية رسمية تزعم أنها طامعة في البحر الأحمر باي ثمن ؟
بعد فينة وأخرى تظهر مثل هذه التصريحات، وفي رأيي لا تعدو أن تكون تيكتيكا سياسيا من أجل رفع سقف التفاوض، فلا أحد يستطيع أن ينزع من إرتريا أي قطعة من الأرض بعد أن رسمت الحدود، وصدر قرار دولي ملزم للطرفين، ومن المسلم به أن من مصلحة البلدين أن تكون العلاقة بينهما علاقة سلام وتعاون، فمن مصلحة إرتريا أن تسمح لإثيوبيا في الاستفادة من موانيها كدولة حبيسة، بل من المفترض أن تقدم لإثيوبيا ميزة تفضيلية لأن إثيوبيا تملك بدائل كثيرة مع دول الجوار، كما أن المواني الإرترية ستكون الأفضل لإثيوبيا، وعلى إثيوبيا أن تحترم سيادة إرتريا على موانيها، فالحرب لا يستفيد منها أحد، وهذه المنطقة عانت لعقود من الحرب، ولم تجد فرصة للتنمية والاستقرار.
قرأنا خبر إيقاف رحلات الخطوط الجوية الإثيوبية فهل من تعليق حول الحدث ؟
فعلا أوقفت إرتريا رحلات الخطوط الجوية الإثيوبية، فالأنظمة في منطقتنا للأسف لا تفصل بين الملفات في التعامل، فعندما تسوء العلاقات السياسية ينسحب ذلك على جميع الملفات، وهذا لا ينفي أن هناك مشكلات فنية أو اقتصادية استدعت هذه الخطوة، ولكن كان بالإمكان حلها إما بالتفاوض أو عبر القوانين، والمنظمات الدولية المعنية مثل الاتحاد الدولي للنقل الجوي (الإياتا)
توحد دعوات من كيانات إثيوبية تعبر بوضوح عن رغبتها في إعادة إرتريا إلى الاستعمار من جديد تحت الدولة الإثيوبية
فهل تخشى من تنامي هذا العداء حتى يتحول إلى حرب جديدة بين البلدين ؟
بعض المسؤولين وبعض المثقفين الإثيوبيين لم يستطيعوا استيعاب أن إرتريا أصبحت دولة مستقلة تعترف بها كل دول العالم بما فيها إثيوبيا ذاتها، وهم بتصريحاتهم هذه لا يستطيعون أن يعيدوا إرتريا إلى الحضن الإثيوبي، ولكنهم يوترون العلاقات بين الشعبين، والأوضاع في المنطقة، ومن المستغرب أن البعض يعتقد بأن الإرتريين ونتيجة لما يعانونه من النظام الإرتري يظنون أنهم سيطالبون بعودة إثيوبيا، وهذه سذاجة في التفكير، وعدم معرفتهم برسوخ الوطنية في عقل الإنسان الإرتري، وهذه الوطنية الجارفة هي التي استغلها اسياس في حربه ضد الجوار. ولهذا فإن استئناف الحرب قد لا يكون مبعثها مثل هذه التصريحات، وإنما نتيجة مكائد القيادات السياسية في البلدين، أو بسبب الدفع الخارجي كحرب بالوكالة، لأغراض لا تتعلق بمصلحة الشعبين. فانظر مثلا ما تسرب في الإعلام هذه الأيام عن تواصل طرفي جبهة التقراي بالنظام الإرتري، بعد هذه الحرب الطاحنة، والمفارقة أن توتر العلاقة بين أبي أحمد واسياس افورقي سببها وقف الحرب على التقراي، ولكن اليوم تحدث مثل هذه اللقاءات لندرك غياب الأخلاق والمبدأ في صراع المنطقة، لماذا أزهقت أرواح إثيوبية، وإرترية إذا بالإمكان التلاقي وحل الخلافات بهذه السهولة.
أين وصل الحراك السياسي المعارض في الداخل الإرتري ..وما فرص وعوامل نجاحه؟
للأسف تركز أداء المعارضة في المهجر وهذه نقيصة حيث التغيير (عبر الاستشعار عن بعد) أقل فاعلية، بل ليس مضمون العواقب، صحيح أن نصف الشعب الإرتري هو في الخارج ولكن سيظل الأداء محدودا وقاصرا، هناك محاولات لتلاقي معارضة الداخل والخارج، بعد أن انحصرت حالة عدم الثقة نتيجة الضغط الأمني، وحالة طور الكمون، وكما تعلم فإن الوضع في الداخل يعد وضعا استثنائيا، فمهما كان من حراك فهو سيكون بحذر والإعلان عنه بوسائل غير معهودة، فلا تستطيع أن تقوم بالمظاهرات، ولا الإضرابات والعصيان المدني، فهناك قلة البدائل، بسبب القبضة الأمنية المشددة، ولكن مما يلاحظ في الآونة الأخيرة وبعد أن تعددت المنصات الإعلامية ولاسيما الشبابية، وأصبحت تدخل إلى إرتريا بالرغم من ضعف الإنترنت، وبكل اللغات الإرترية، بدأت الكتلة الصامتة، وفئات من الشعب تخلع عنها لباس الخوف، وتنتقد وتناقش في المنتديات والمقاهي بشكل صريح، وفي السيمنارات والورش التي تعقدها الحكومة لمناقشة قضيا عامة، بدأ الشباب يتساءل متى ستكون إرتريا مثل باقي الدول، من توفر الحريات، والحقوق الدستورية.
تحليلك لأسماء وأوزان القوى الدولية والإقليمية الحاضرة في المشهد الإرتري والبحر الأحمر مع تقييم علاقة النظام الإرتري بتلك القوى؟
هذه المنطقة منطقة مهمة فهي أحد المضايق التي تنفذ منها التجارة الدولية وتتحرك فيها أساطيل الدول العظمى، والصراع بين دولها صراع بالوكالة، ولهذا توجد فيها معظم الدول المتنفذة، مستغلة أزمة الدولة الوطنية ما بعد الاستعمار، ومتطلعة إلى استغلال ثرواتها وموقعها الاستراتيجي للمزيد من النفوذ، ففي جيبوتي وحدها حوالي 7 قواعد عسكرية وعلى رأسها أمريكا حيث توجد أكبر قاعدة أمريكية في إفريقيا، وأهم قاعدة فرنسية، والقاعدة الأولى للصين خارج أرضها إلى غير ذلك، هذا عدا الدول التي لها وجود عسكري في الصومال، وخبراء عسكريين وأمنيين وقواعد سرية داخل دول القرن الإفريقي، هذا يشي بأهمية وخطورة منطقتنا. النظام الإرتري يحاول استغلال المتناقضات بين هذه الدول، ولهذا نراه يوقع اتفاقية مع دولة ثم يوقع اتفاقية مع دولة منافسة لها، ولكن الحقيقة التي لا جدال فيها لا يجرؤ أن يتحدى أمريكا إلا في خطاباته الديماغوجية، فلا يستطيع جلب قوة تضاهيها عسكريا مثل روسيا، فقد تم تحذيره عندما حاول منح روسيا قاعدة في إرتريا. وغالب تحركاته للفت نظر الدول الأوروبية إليه والاهتمام به، وتقديره شخصيا كقائد مخضرم في المنطقة، فهو لا يهتم كثيرا لنهضة إرتريا اقتصاديا وتكنولوجيا ولهذا وعلى الرغم من كل هذه السنوات بعد الاستقلال، تظل إرتريا كأحد الدول الأدنى في سلم الفقر، لا يستطيع الدبلوماسيون من السفراء الأجانب وغيرهم أن يمكثوا فيها أكثر من يومين بسبب شح المياه في عاصمتها، وضعف الانترنت.
من أين يتلقى النظام الإرتري دعمه المالي والعسكري ..هل توجد له أحلاف داعمة على النحو الذي كان له خلال عهد الثورة من كنائس ودول ومنظمات داعمة ؟
النظام على رأس السلطة ولهذا فإن كل موارد الدولة تحت تصرفه، فهناك الضرائب وخاصة ضريبة الشتات التي تمثل نسبة كبيرة، حوالي (13% من الناتج المحلي) لإن نصف الشعب الإرتري في المهجر، وتحكم النظام على التجارة الصادر والوارد عبر شركاته، وكذلك عائدات الذهب والنحاس وغيرها من المعادن، ويستفيد من المبالغ التي تقدمها المنظمات الدولية لمشروعات بعينها مثل منظمة الزراعة والأغذية، أو القروض من البنوك مثل البنك الافريقي للتنمية، كما أن النظام له علاقاته مع عدد من الدول بعضها يدعمه من أجل ملفات معينة، أو يأخذ نسبة مقابل ايصال مساعدات لجهة ما، كما يأخذ مبالغ من بعض الدول مقابل استخدام المواني الارترية، وفي هذه الايام مستفيد من حرب غزة فيمرر عبر المواني الإرترية عدد من البواخر التي تخشى من استهداف الحوثيين لها، ولأن النظام لا يسهم بصورة ملموسة في برامج التنمية الوطنية، وحتى البرامج التي ينفذها تتم عبر السخرة، فلهذا لا توجد التزامات كبيرة بما فها المرتبات المناسبة. ونسبة لذلك كله يحتفظ بفائض كبير يمكنه من دعم المعارضات الإثيوبية والسودانية لزعزعة هذه الدول.
ملاحظة خارج النص :
يتكون الائتلاف من :
١.حزب الوطن الديمقراطي الإرتري
٢.جبهة الإنقاذ الوطني الإرترية
٣.جبهة التحرير الإرترية
د.حامد محمد حالفا قلم فقيه وأستاذ جامعي يهتم بالسياسة الشرعية والقضايا الفكرية ، يكتب البحوث العلمية المحكمة التي تعالج مشكلات المجتمع من الوجهة الإسلامية