حوارات

في حوار مع زاجل – الابن والخلف: إسماعيل المختار يكشف أسرار تاريخ الإسلام في إرتريا

في زمن تشتد فيه الحاجة إلى القراءة العميقة للتاريخ لفهم تعقيدات الحاضر، يطل علينا الأستاذ إسماعيل إبراهيم المختار بكتابٍ يُعد إضافة نوعية في ميدان الدراسات التاريخية عن الإسلام في إرتريا. فهو ليس مجرد باحث يقرأ عن وطنه من بُعد، بل هو ابن المدرسة الدينية العريقة، وممثل لجيل ورث المسؤولية الفكرية والدينية عن جدارة؛ فوالده، الشيخ إبراهيم مختار، كان أول مفتي عام لإرتريا، وهو خير خلف لخير سلف.

في هذا الحوار الحصري مع زاجل، نتوقف مع الأستاذ إسماعيل المختار عند أبرز محطات كتابه الجديد: “الإسلام في إرتريا – محطات تاريخية بارزة”، والذي بدأ مسيرته باللغة الإنجليزية، ثم أُعيدت صياغته بالعربية ليكون أقرب إلى القارئ المحلي. يتناول الحوار أبعادًا متعددة، من دوافع التأليف، إلى تقييمه لحضور الإسلام في الواقع الإرتري التاريخي والمعاصر، مرورًا بتحديات التوثيق ومحدودية المصادر، ووصولًا إلى رؤيته لمستقبل التعايش في بلد أنهكته الانقسامات الطائفية والسياسية.

في حديثه، لا يكتفي إسماعيل المختار بالسرد الأكاديمي، بل يفتح نوافذ للتأمل حول علاقة الماضي بالحاضر، ويقدم مقترحات لبناء مجتمع إرتري رشيد وعادل، يستلهم من تجارب السلف دروسًا للتقارب لا للصراع.

ولأن الحديث عن الإسلام في إرتريا لا يُمكن أن يُفهم بمعزل عن جذوره التاريخية ومجرياته المعاصرة، توجهنا بأسئلتنا إلى الأستاذ إسماعيل المختار، الذي يجمع بين الإرث العائلي العريق ـ كونه نجل المفتي العام الأول لإرتريا الشيخ إبراهيم مختار رحمه الله ـ وبين التكوين العلمي والهم الوطني الذي يظهر في كل سطر من كتاباته.

في هذا الحوار الخاص، فتح لنا الأستاذ إسماعيل قلبه وعقله، متناولًا أبرز ما جاء في كتابه الجديد “الإسلام في إرتريا”، مجيبًا عن أسئلتنا حول التاريخ، والواقع، والمصادر، والتحديات، والطموحات.

نترككم الآن مع تفاصيل هذا الحوار:

 

حوار زينا مع الأستاذ إسماعيل المختار : الإسلام في ارتريا  

 * التاريخ يوثق للصراع بين المسلمين والمسيحيين في ارتريا  كما يوثق  لعلاقات ودية وتعاون بين الطرفين      

 * بشهادة اقلام محايدة ،    يوجد في الكتاب الجديد المفيد من حيث المباحث وتنوع المصادر.

* حرم الجبرته ظلما من امتلاك الأراضي فنجحوا في التجارة

* هذه مقترحاتي لإقامة حكم رشيد و مجتمع متعايش  في ارتريا

                                  أجرى الحوار : أ.باسم القروي

 

استأذنت الأستاذ إسماعيل ابن المفتي العام الأول  لارتريا الشيخ إبراهيم مختار في إجراء حوار معه فرحب ، دفعت إليه الأسئلة ، وانتظرت اياما قليلة.

ارسلت إليه رسالة تذكير تطلب منه ان يشعرني أنه استلم رسالتي.

رد عاجلا بإجابة لم اتوقعها بهذه السرعة : المقابلة في طريقها إليك.

كم هو مريح ومعين في إنجاز المهمة  أن تجري حوارا صحفيا مع ضيف يقدر وقتك،  وعملك،  وظرفك، ورسالتك الإعلامية . نعم للتعامل الراقي أهل وأصحاب. ونعوذ بالله من ضيف يوافق على المقابلة بداية ثم يحبس الأسئلة عنده ويلجأ إلى المقاطعة سنين دون  رفض مبرر ، ولا اعتذار حصيف. انها حالة ضعف تحيط ببعض أهل الصدارة  توجعهم الأسئلة  غير حلوة المذاق .

طرحت على الضيف الكريم إسماعيل مختار  سؤالا يستثقل ٥٠٠ صفحة ورقية ؛ فقلت:  هل تثاءبت عندما وصلت آخر صفحة في الكتاب؟  فأجاب انها فتحت له آفاقا واسعة .

أكدت المقابلة أن الكتاب فيه الجديد المفيد الذي لم ينشر من قبل ،  وتعزز بتنوع مصادره ؛  فقد اعتمد على مصادر ومراجع: عربية وانجليزية وتقرنية .. وحتى مسألة الوثائق الكنيسة ناقشها في الكتاب موضحا انها غير مسلم بمصداقيتها  .

قلت له : تكتب عن وطن وانت غريب عنه مهاجر  فكيف يكتب قلم ينقصه العمق المعرفي بوطنه  ؟ فأجاب بهدوء وعقل واتزان .

وسألته عن النسخة الإلكترونية للكتاب تسهيلا على القارئ من مشقة الزمان والمكان والتكلفة المادية. فقال : الحديث جاري مع الناشر لتحقيق ذلك .

وبشر الضيف أن الكتاب في نسخته العربية سوف يكون في متناول يد القارئ خلال أربعة أسابيع .

  1. قرات لك منشورا يبشر بميلاد كتاب جديد تحت عنوان : الإسلام في ارتريا . عرفنا بهذا الكتاب لو تكرمت.

هذا كتاب صدر في مبتدئه باللغة الإنجليزية في عام 2023 – انظر الغلاف ورابط الشراء أدناه – بهدف سد الفراغ المرجعي في تاريخ الإسلام في إريتريا، خاصة لغير قراء العربية. وبعد صدور الكتاب وما تبعه من التفاعل الواسع من القراء، ولا سيما المسيحيين الذين وجدوا فيه مادة جديدة وسعت آفاقهم التاريخية، رأيت أن أكتبه بالعربية، وأوسع بعض مباحثه بما يتناسب مع القارئ العربي. وهو في النهاية كتاب يهدف إلى سبر أغوار تاريخ لم ينل بعد حقه من الدراسة والتحليل.

  1. توجد كتابات كثيرة عن الإسلام في ارتريا وبعض هذه الكتابات رسائل علمية جامعية محكمة نال بها أصحابها درجة الدكتوراه او الماحستير من مؤسسات علمية.. .ما الجديد الذي يحمله كتابكم حتى يستحق الاحتفاء بعد العناء ؟

العلم لا يستوعبه كتاب أو كتابان، وكذلك التاريخ. فالموضوع متشعب، وكل باحث يسهم بإضافة، وهذا يساعد في استقصاء الموضوع بشموله وتمامه. أما الجديد في الكتاب، فخير من يعلق عليه هم القراء، واكتفي هنا بنقل تعليق الدكتور مسعود إدريس من قسم التاريخ والحضارة الإسلامية في جامعة الشارقة، حيث يقول: “يُعد كتاب “الإسلام في إريتريا، محطات تاريخية بارزة” إضافة قيمة إلى الدراسات التاريخية حول الإسلام في القرن الأفريقي. يملأ هذا الكتاب فجوة بحثية مهمة من خلال تقديم سرد تاريخي شامل، مستند إلى البحث الأكاديمي المحكم.”

  1. ما الدافع الحقيقي الذي جعلك تكتب عن الإسلام في ارتريا ..وهل تطرق الكتاب إلى واقع الإسلام الممتحن حاليا أو انصرف عن الحاضر البئيس إلى حديث مريح غير مصادم يتعلق بجوانب تاريخية لا تحيط بها أشواك؟

الواقع الحاضر هو ابن الماضي الغابر. وتجليات اليوم -سلبًا أو إيجابًا- إنما هي إفرازات بذور وضعت بالأمس. ولا يمكن فهم ومعالجة واقع اليوم إلا بفهم وتحليل دقيق للتاريخ، كما فعل ابن خلدون. والكتابة في التاريخ شائكة، سواء كانت عن التاريخ القريب أو البعيد. فالكتابة في الحاضر قد تغضب المتنفذين، كما حدث لعبد الرحمن الجبرتي، والكتابة في الماضي قد تستثير العوام، كما حدث للطبري. وحين ألفت كتابي الأول عن المسلمين في مقاطعة مانيتوبا الكندية بعنوان: “Manitoba Muslims: A History of Resilience and Growth“، قال لي أحد الأفاضل: كتابك قد يغضب بعض الناس لأنك لم تذكر آباءهم ضمن الرعيل المؤسس، أو لم تذكرهم بالتفخيم الذي يتخيلونه. وحسب الكاتب المؤرخ أن يكون حسن القصد، حريصًا على الإنصاف، ومستقصيًا مما في حوزته من المصادر. والتاريخ يكون أكثر اكتمالاً حين يُكتب فيما بعد، حيث تظهر وثائق مخفية، وحيث تترابط الأحداث الجزئية. والحوادث يمكن أن تُدون أثناء حدوثها -كما فعل أصحاب الحوليات- لتكون مادة لدراسة أشمل تضع جوانب الأحداث في إطار متكامل. فابن الأثير في كتابه “الكامل” ذكر الغزو المغولي قبل وصولهم إلى بغداد، حيث توفي قبل ذلك. وقد كتب ما بدا له في إطاره الزمني، معلنًا نعي الإسلام، وهو لا يدري أن تلك كانت نكسة عارضة تلتها نهضة بارزة. ولعلي أشير هنا إلى أهمية تدوين أحداث اليوم والتوثيق الكتابي لها، لتكون مرجعًا لكُتّاب التاريخ مستقبلاً. وفي خلال كتابتي عن تاريخ الإسلام في إريتريا وجدت شحًا في المصادر والوثائق، وتمنيت لو أن الأولين دونوا بالتفصيل أحداث يومهم. وعلى العموم، الكتاب يتناول أهم المحطات التاريخية ما بين هجرة الصحابة وفترة الستينيات من القرن العشرين.

4- هل وجدت من خلال البحث أن هناك صراعات بين الإسلام والمسيحية في ارتريا ؟

التاريخ يجب أن يُدرس دراسة نسبية. وعليه يمكن القول إن التاريخ الإرتري لا يعرف صراعًا كالصراع الذي حدث في إثيوبيا. لكن في نفس الوقت، لا يصح أن ننفي وجود نوع من الصراع، فلا يخلو أي مجتمع من ذلك، فهو من السنن التدافعية. والصراع الذي ظهر في الساحة الإرترية كان انعكاسًا لصراع خارجي. فصراع الإمام أحمد مع ملوك المرتفعات الإثيوبية النصارى كان له امتداد على الساحة الإرترية، حيث قاتل نصارى المرتفعات الإرترية بقيادة بحري نجاسي في صف نصارى إثيوبيا، وقاتل مسلمو إرتريا، وخاصة الدناكل وبعض فصائل البجة، في صف الإمام أحمد. وكذلك انعكس الصراع مع حملات تنصير الملك يوحنس، فقاتل بعض المسلمين الأرتريين ضمن قوات المقاومة التي كان يقودها الشيخ طلحة بن جعفر الإثيوبي. وصارع الجبرتة طويلاً من أجل الحفاظ على كيانهم الإسلامي، وعاشوا كأقلية مسلمة في المرتفعات تحت الضغط والحرمان من حقوق ملكية الأرض، فاتجهوا نحو التجارة وبرزوا فيها. ومن المؤشرات الإيجابية ما أشار إليه الكاتب دافراي d’Avray، من أن العلاقة بين أهم كيانين سياسيين في إرتريا: بحري نجاسي، حاكم المرتفعات المسيحي، والنائب، حاكم السواحل المسلم، كانت ودية وأنهما تقاسما الضرائب وتشاركاً في ملكية الأرض.

5- قارب عدد صفحات كتابك :  ٥٠٠ صفحة.. هل أكملت هذه الصفحات بلا تثاؤب مرهق؟

بالنسبة لي، كانت تجربة فتحت آفاقي على مصادر واسعة وغنية. أما الباقي فأتركه للقراء.

6- حدثنا عن لغة الكتاب ؟

 الكتاب نشرة باللغة الانجليزية، وتليها النسخة العربية وأرجو أن يصدر بالتغرينية في وقت لاحق.

7- هل يتضمن الكتاب وثائق غير منشورة ذات قيمة تاريخية؟

الكتاب يحتوي على مصادر لم يتطرق إليها من قبل ومباحث لم يتعرض لها سابقًا، حسب علمي.

8- ايهما أكثر إلحاحا للكتابة والتأليف تاريخ مسلمي ارتريا ام حاضرهم؟

كما ذكرت، كلاهما مكمل للآخر، ولا غني لأحد منهما دون الآخر، وواقع اليوم لا يصبح تاريخاً إلا حين تكتمل فصوله وتتضح حيثياته.

9- أنت في الغربة وتكتب عن وطن لست فيه ألا تخشى أن تكون كتابتك سطحية .اقصد من أين ياتيك العمق المعرفي ببلدك؟

قديماً قال الشاعر أبو تمام:

كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى *** وحنينه أبداً لأول منزلِ

غبت عن إريتريا – ككل إرتري – مكرهاً في أيام منجستو، ولكنها لم تغب عن بالي ولا  عن دائرة اهتمامي، فما من كتاب يصدر عنها إلا حرصت على قراءته، وما من خبر يصدر عنها إلا وتابعته. والتاريخ له مصادر متعددة، منها المراجع المدونة، ومنها الاستجواب والبحث الميداني. وكتابي يحتوي على جهد مقدر في استقصاء المصادر المدونة، ولكنه – كما قال عثمان سبى عن كتابه – ينقصه البحث الميداني لظروف خاصة، ولا كمال  في الجهد البشري.

10- ماهي اهم المصادر والمراجع النادرة التي اعتمدت عليها ..هل وجدت سبيلا إلى مصادر كنسية مكتوبة بلغة الكنيسة تحدثت عن تاريخ الإسلام في إرتريا بداية من عهد الصحابة المهاجرين رضي الله عنهم؟

مصادر الكتاب كثيرة ومتنوعة باللغتين العربية والإنجليزية، وتشمل كتابات القدماء كابن إسحاق، وابن سعد، والطبري، وابن عساكر… ومن جاء بعدهم كاليعقوبي، والمقريزي، والعمري… وكتابات مؤرخي اليمن والسودان وإثيوبيا، وكتابات الرحالين، والمستشرقين، وكتابات الإريتريين – بالعربية والإنجليزية والتجرينية – وغيرها مما يطول سرده. المصادر الكنسية – كما ذكر المؤرخ بادج Budge – لا يُعتمد عليها كثيرًا، ولا يوجد فيها ما يشير إلى هجرة الصحابة، وقد ناقشت هذا الأمر في كتابي.

11- متى يتوقع القراء الحصول على نسخ ورقية من كتابك( الإسلام في أرتريا ) وهل تنوي إصدار ونشر نسخة إلكترونية حتى يتيسر الحصول على النسخة تخلصا من عقبات الزمان والمكان والتكلفة المادية ؟

الكتاب سيكون جاهزا خلال أربعة أسابيع، ولا زال النقاش ساريا مع الناشر بخصوص النسخة الإلكترونية.

12 – هل من مقترحات قدمها الكتاب  او تقدمها انت الآن تحكم  وتوطد التعايش بين الإسلام والمسيحية في إرتريا بدلا من الصراع الممتد الذي يرثه الخالف من السالف؟

تطرقت لهذا الموضوع في الفصل الأخير، وهذا مقتطف منه:

التاريخ الإريتري لم يكن مثاليًا. فكما كان هناك العديد من القادة الحكماء الذين سعوا لإرساء نظام اجتماعي إريتري شامل وعادل، كان هناك أيضًا آخرون سعوا نحو إرساء توجه إقصائي طائفي غير متكافئ. الأصوات الطائفية ستكون أقل رواجًا، وستظل هامشية، إذا استلهم كل الإريتريين بكافة طوائفهم النبراس من توجه حكمائهم من أصحاب الرؤى الشاملة الذين دعوا لمجتمع عادل وغير طائفي، وشجبوا التوجهات الشوفينية الضيقة. وما داموا على ذلك، فإن مستقبل إريتريا سيكون أكثر إشراقًا، وأسمى وجهة.

بهذا الحوار الثري نختم رحلتنا مع الأستاذ إسماعيل المختار، الذي قدّم لنا رؤية علمية متزنة، نابعة من قلب يعيش هموم الوطن، وعقل يزن الأمور بميزان الباحث المنصف. لم تكن إجاباته مجرد انعكاس لمعارف أكاديمية، بل حملت بصيرة من نشأ في بيت عريق، تتقاطع فيه المسارات الدينية والسياسية والتاريخية، حيث تَشبَّه الابن بأبيه علماً وهمةً وتواضعًا.

كتاب “الإسلام في إرتريا” ليس فقط إضافة علمية، بل هو دعوة واعية لإعادة قراءة التاريخ خارج ثنائية التقديس أو الطمس، واستدعاء الحكماء من رموز التعايش لبناء مستقبل تُصان فيه كرامة الإنسان، ويُؤمن فيه الاختلاف كقيمة، لا كأداة صراع.

في زمن تتكاثر فيه السرديات الإقصائية، تأتي أمثال هذه الجهود لتقول: لا زال في هذه الأمة من يكتب ليبني، لا ليهدم؛ ومن ينبش التاريخ ليضيء درب الحاضر، لا ليغذّي نار الفتنة.

زاجل تشكر الأستاذ إسماعيل المختار على هذا الحوار القيّم، وتتمنى أن يجد كتابه طريقه إلى كل عقل متعطش للفهم، وكل ضمير يسعى للعدالة.

https://books.friesenpress.com/store/title/119734000357374001/Ismael-Ibrahim-Mukhtar-Milestones-in-the-History-of-Islam-in-Eritrea

 

تعليقات

تعليقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى